فن إفساد الحياة !

القلَق هو فن “إفساد الحياة”، والقلِق هو إنسانٌ أنساهُ خوفه من غده أن يستمتعَ بيومه.

فمعنى أن تقلق هو أن تستدعي أهوال الدنيا قبل أن تفكر بك. الأمرُ أشبه أن تنوح على ميتٍ لم يلفظ بعد أنفاسهُ الأخيرة، وأن تُلبس الغد لباساً مخيفاً ترتعدُ منهُ أوصالك، وأن تتوقف عن سقي الوردة بحجة أنها ستموتُ حتماً، وأن تكسر الفخّار قبل وقوعهِ على الأرض، وأن تبكي الفشل قبل التجربة، وأن تلهث قبل أن تركض، وأن تتزحلق قبل أن تصل قشرة الموزِ بخطوات، وأن تُصّدَ قبل أن تبوح بحبك، وأن تفترض الطلاق قبل أن تتزوج، وأن ترسب قبل أداء امتحانك، وأن تفلس قبل أن تفتح متجرك، وأن لا تصعد السلم خوفاً من السقوط، وأن لا تركب الطائرة خوفاً من اصطدامها بالأرض، وأن تمرض قبل أن يصيبك المرض.

أرأيت كيف يبدو الأمرُ سخيفاً؟ وبعيداً عن المنطق؟

لذا فاعلم أن قلقك لن يدفع الأسوأ عنك، وعدمه لن يأتي بهِ إلى حِماك بالتأكيد، فلا تتعب نفسك وتسلب حياتك ألوانها الزاهية، ثم تُحيلها شاحبة كئيبة.

أحسن الظن بالله، وتذّكر أن ما حدث وما سيحدث هو مُقدرٌ ومكتوب قبل خلق السماوات والأرض. فلا تحمل همّ ما سيكون، بل تعايش مع ما هو كائن، وارمِ الغد لربٍّ لن ينساكَ أبداً.

كن كراكب ذاك الزورق الصغير الذي يتهادى وسط محيطٍ مزمجرٍ غاضب، في ليلةٍ كالحة، وتحت سماءٍ مجعدة الجبين بغيومٍ وصواعق تخطفُ الأبصار. الأمواجُ ترتفعُ كالجبال، والقاربُ يرتفعُ ويهبط، وهو بين هذا كله؛ ممددٌ على ظهره في القارب، يداه معقودتان خلف رأسه كوسادة، وينظرُ للبرقِ وهو ينيرُ السماء بلونٍ خاطفٍ وهو يُصَّفرُ ببرود وكأن الأمر لا يعنيه. .. لماذا؟ .. لأنه يثقُ جيداً بربّان السفينة!

الدنيا هي ذلك البحر، والصواعق والرياح والأمواج هي مصاعبها، والقارب حياتك التي تسيرُ بانسيابية بين الأخطار، والربّان هو الواحد الأحد الذي يدّبر الأمر لعباده.