خبر الفقد قبل أن يظهر للحياة حين فقد أباه، ثم أمه قبل أن يكبر بما فيه الكفاية لينهل من حنانها، ثم جدهُ الذي كفله، ثم عمهُ الذي رباه. لكن فقدها هي بالذات صاحبهُ لنهاية حياته، زوجهُ التي تزوجها وهي أكبر منه، والتي تزوجتهُ وهو أفقر منها. لم ينسَ يوماً أنها أول من آمن به، وأنها من صدقته حين كذبه الناس، ومن ناصرته حين تخلى عنه البقية، ومن أعطته الولد.
فقدها كان يؤلمه، حتى وزوجاته الأخر كل واحدة منهن تفوقُ الأخرى عقلاً وكمالا. ظل يتذكرها ويتحدث عن فضلها بعد سنينٍ من رحيلها، حتى أنه هتف يوماً (اللهم هالة) حين استأذنت أختها “هالة” للدخول عليه فذكرهُ صوتها بصوت فقيدته. ولدرجةِ أنه فرش عباءته لعجوز لتجلس عليها وليتبادل معها الحديث فقط لأنها كانت صديقةً لها، وكانت تزورهم في بيتهم على حياتها.
بأبي أنت وأمي يا رسول الله، علمتنا ديننا ودنيانا، وها أنت تضربُ لنا أروع أمثلة الوفاء والنبل. لم تنسها يوماً، وأنت أكرم خلق الله وأرفعهم شأناً، وأنت من وُعِدتَ بأرفع مكانٍ في الجنة بما فيها مما نعلم ومما لا نعلم.
اللهم صلِّ وسلم عليك يا نبي الله محمد، وارضى عن أمنا “خديجة” وباقي أمهات المؤمنين.
