مؤلمٌ أن تكونَ محطَ الأنظارِ دوماً، أن تجدَ الأعين باتساعها التام تحيطُ بكَ من كُلِّ جهاتك، أن تُحصي أنفاسك، وتعُدَّ خطواتك، وأن تُراقبَ ثم تُصنفَ تصرفاتك.
الاهتمامُ غايةُ كُلّ شخصٍ، وكلنا نودُّ أن نكون محاطين بعنايةِ من حولنا. لكن حين يكونُ هذا الاهتمام وهذه العناية فقط لتصيُد الأخطاء والبحث عن الزلاتِ والهنات؛ عندها تنقلبُ الحياةُ جحيماً، ويغدو المرءُ كارهاً هذا الاهتمام، متمنياً من كل قلبهِ أن يكون وحيداً، منعزلاً، على أن يكون محاطاً بكل هذه الأعين من حوله.
والهمُّ الأكبرُ حين يجدُ أولئك خطاً ما، ولو كان تافهاً؛ عندئذٍ يشعرون بلذة المنتصر، أو الصياد الذي اقتنصَ فريسةً عسيرة الاصطياد. وحينها يتناقلون البشرى بحبور الدنيا، ثم يتداولون ذلك الخطأ ويتبادلونهُ، ولا ينسون أن يضخموهُ ويزيدوا فيه، ويبّهروهُ ببهاراتهم الخاصة، ويقدموهُ للناس كوجبةِ شهية التناول.
وكأنهم لا يخطئون، وكأنهم من المعصومين عديمي الزلل !
والأشنعُ من ذلك حين لا يجدون خطأً يستحق الوقوف عنده، فينقلون نيران نقدهم وانتقاصهم لما لا يدَّ لك فيه؛ شكلك، لونك، وزنك، طولك…إلخ .
وكأننا خلقنا أنفسنا، وكأننا خُلقنا كما نشتهي !
الحياةُ مع هؤلاءِ بائسة، تفتقرُ للأمان، وتفتقدُ الارتياح، ومشبعةٌ بالارتيابِ، ومليئةٌ بالقلقِ والتوجسِ والترقب. لا راحةَ ستجدها وأنت تشعرُ بأنفاسهم خلف عنقك، يهمونَ بالانقضاضِ عليك، وينتظرون سقوط زلةٍ منك ليتلقفوها فرحين.
لن تشعرَ بالسلامِ مع روحك والخوفُ يسلبُكَ أجمل ما عندك؛ استقرار نفسك، وهدوء أعصابك، وراحة بالك.
تحتاجُ للثبات، كالمرساة التي تُرمى في البحرِ لتُثّبتَ أركانَ السفينةِ حين تُزعزعُها الرياحُ العاصفة. الثباتُ يأتي من الأصدقاءِ الحقيقيين، وقبلهم من القربِ من الله سبحانه، ثم قطعُ كُلِّ الأواصرِ مع هؤلاء المتربصين، والعيشُ داخل بلورةٍ تفصلُكَ عنهم، حتى ولو كانوا أقربَ المقربين.
البعدُ عنهم غنيمةٌ، والتنائي سلامةٌ، والرحيلُ مكسبٌ، ولو كانوا جزءاً منك. اقطع هذا الجزء وارحل، فإن تعيش ناقصاً سعيداً، خيرٌ من العيشِ كاملاً بتعاسة !